الإبدال:
 

تاسعاً: الإبدال. وهو من وسائل تغيير الأخلاق السيئة، انظر إلى كل خلق ذميم وضع بدلاً منه عكسه، كما ذكرنا في الشجاعة والتهور، وكما ذكرنا في التسرع والتأني، وفي البخل والكرم، ومثل .. إلى آخره، أبدل كل خلق ذميم وحاول أن تأخذ عكسه، فأبدل الجبن ليصبح مكانه شجاعة، والكرم بدل البخل، والتواضع بدل الكبر، والحياء بدل الوقاحة والجرأة غير المحمودة وهكذا.
 

قراءة سير الصالحين:
 

عاشراً: قراءة سير الصالحين في أخلاقهم. أخلاق الأنبياء والصحابة والصالحين والعلماء؛ لأن هؤلاء قدوة حسنة -وهذا جانب القدوة- فأنت إذا قرأت في أخلاقهم عن عالم من العلماء ونظرت إلى ترجمته تجد مثلاً نسبه وولادته ونشأته وطلبه للعلم ورحلاته، ولابد أن تجد جانباً اسمه: أخلاقه، اقرأ هذه الأخلاق، فإنها تحملك على التشبه بهؤلاء الكرام:
 

إن التشبه بالكرام فلاح
 

ملازمة أصحاب الأخلاق الحسنة:
 

الحادي عشر: ملازمة أصحاب الأخلاق الحسنة من الأحياء والاحتكاك بهم. تخيلوا لو أنا وضعنا جباناً في وسط قوم شجعان ماذا يحصل له؟ ولو وضعنا بخيلاً في وسط قوم كرماء ماذا يحصل له؟ يتأثر من الوسط الذي هو فيه، وهذا يؤكد لنا أهمية التربية الجماعية، وأن الناس الذين يريدون ويتربون داخل بيوتهم دون اختلاط بالطيبين لن يستفيدوا كثيراً.
 

تكثير الدوافع للتخلق بالخلق الحسن:
 

الثاني عشر: تكثير الدوافع لهذا التخلق بهذا الخلق الحسن، والابتعاد عن الخلق السيئ. كلما كثرت دوافعك لشيء تحمست له أكثر، فمثلاً: بعض الناس يعمل عملاً في شفقة، من باب الرحمة، أي أنه صار عنده رحمة بالأمر فتفاعل مع الحدث، وبعض الناس يعمله من باب الإنسانية في التعامل، وبعض الناس يعمل هذا التصرف من باب العادة؛ لأنه متعود على هذا الشيء، وبعضهم يعمله تقليداً للآخرين، وبعضهم يعمله ابتغاء الأجر وابتغاء الجنة، ولتكفير السيئات، ولتعليم الآخرين يكون قدوة وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] ولتربية نفسه. إذاً: كلما كثرت دوافعك للتخلص من الخلق السيئ صار حماسك لهذا أكثر، فكثر الدوافع وتفطن وأنت تعمل كل عمل، حاول التغيير، وما هي دوافعك لهذا؟ لتنال الأجر ورضا الله والجنة، وتكون قدوة للآخرين، وتربي نفسك على هذا الأمر وهكذا.
 

التأمل في الحوافز الأخروية:
 

الثالث عشر: التأمل في الحوافز الأخروية في مصير أصحاب الأخلاق الحسنة، ومصير أصحاب الأخلاق السيئة. بمعنى آخر: الترهيب والترغيب، قال عليه الصلاة والسلام: (أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن) (أثقل شيء في ميزان المؤمن الخلق الحسن) (إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء) (إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) (إن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة) (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم) وفي رواية: (القائم بالليل الظامئ بالهواجر) (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) ماذا تشعر إذا أنت قرأت أحاديث الترغيب هذه؟ تشعر بحافز ودافع لهذا العمل، فيكون هذا لك معين على التخلص من الأخلاق السيئة، مثلاً خذ هذا الحديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) مثلاً حديث: (من كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة) هذا في الآخرة. وفي الدنيا من الترغيبات يقول عليه الصلاة والسلام: (صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمار) فإذاً: من باب التكثير والتوسيع عليك في الدنيا أن تحسن الخلق، وإذا أردت وسيلة أو من أسباب زيادة العمر فحسن خلقك؛ لأن حسن الخلق من أسباب زيادة العمر. في المقابل أحاديث الترهيب: (البذاء من الجفاء والجفاء في النار) البذاء: فحش القول، والجفاء: الغلظة وسوء الخلق، (البذاء من الجفاء والجفاء في النار) قال عليه الصلاة والسلام: (وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل) حديث صحيح.
 

الدعاء:
 

الرابع عشر: الدعاء. (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء) حديث صحيح.
 

جهود المربين:
 

المسألة الخامسة عشرة، وهي الختام في هذا: جهود المربين. إن ما ذكر في الماضي كان تربية فردية، هذه الأشياء التي أنت تفعلها لنفسك، هذه تربيتك الفردية. من وسائل تحسين الأخلاق التربية الجماعية وجهود المربين الموجهة إلى الشخص، وهذا الكلام الآن من صعيد إلى صعيد آخر، لا شك أن تغيير الخلق يعتمد على مجهود الشخص الفردي أصلاً، ولكن هناك -أيضاً- عوامل أخرى خارجية وهي جهود المربين نحو هذا الشخص، فالمربي عليه أن يعطي كل إنسان نفسيته ما يلائمها فتهدأ. انظر مثلاً إلى هذا الجانب التربوي، المربي صلى الله عليه وسلم ماذا فعل لكي يهدئ النفوس ويراعي الجوانب، ففي البخاري عن عمرو بن تغلب : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالاً وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك عتبوا -الذين ما أعطاهم عتبوا- فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال: أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وآكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب …). هذا المربي يقول كلاماً له أثر، قال: (عمرو بن تغلب فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم) فأعطى الجزعين مالاً أصلح به نفوسهم، وأعطى عمرو بن تغلب ثناءً كان أحب إليه من عطاء المال الكثير، فأصلح نفسه. نفس الموقف حصل بعد حنين ، مسلمة الفتح، الناس الذين أسلموا يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم مائة، مائة من الإبل، يتألف قلوبهم، ويزيل الحواجز والعداوات بالإعطاء، والأنصار الذين جاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرجوا من المدينة وتعبوا ما أعطاهم شيئاً، فتكلم بعضهم، وقالوا: يعطي قريشاً ولا زالت سيوفنا تقطر من دمائهم، أي: يعطي هؤلاء من غنائم حنين مائة، مائة من الإبل ونحن ما لنا شيء، فلما سمع عليه الصلاة والسلام ذلك، بلغته المقولة فجمعهم: فسأل: ماذا حصل؟ وماذا قيل؟ فقال فقهاؤهم: يا رسول الله أما أولو العلم فينا ما قالوا شيئاً، وأما بعض أحداثنا -صغار السن- فقد قالوا هذه الكلمة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم كلمته المؤثرة جداً لدرجة أنهم قد بكوا حتى اخضلوا لحاهم، (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشياء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار). هذه كلمات لكن الأنصار طابت أنفسهم، وقالوا: بلى رضينا، أي: رضينا بهذا القسم العظيم بأن يذهب الناس بالشياء والبعير ونحن نرجع بأكبر غنيمة وأعظم شيء معنا في الدنيا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، نرجع به، رضينا برسول الله حظاً وقسماً ونصيباً. أيضاً من وسائلهم: استغلال الحوادث، فلو رأيت -مثلاً- أمامك ظلماً، يمكن أن تربي ولدك أو صديقك أو متبوعك بهذه الحادثة، فتقول: انظر إلى الظلم ماذا جر من العواقب الوخيمة، هذا الشخص الذي يتربى معك يكره الظلم، لأنك استغللت الحادثة في تفهيمه أن هذا الظلم عاقبته وخيمة، أو رذيلة من الرذائل أو فضيحة من الفضائح. وإذا رأيت مشهداً جيداً، رأيت مشهداً فيه عدل، فلفت نظر من معك إلى هذا المشهد، فاستغليت الحدث والتعليق عليه، ومشاهد الشجاعة أو الجبن. كذلك من وسائل المربين: ضرب الأمثال، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربي الناس على الكرم وعدم البخل، والإنفاق وعدم التقتير، وعدم المنع والشح، يقول -مثلاً-: يضرب لهم أمثلة، يقول: المنفق عليه درع وكلما أنفق ازداد حتى صار سابغاً لجميع أعضاء جسمه، ومثل البخيل عليه درع، كلما بخل ازدادت الحلقات حبساً على أجزاء جسده، فضرب المثل هذا من عمل المربين، ومن عملهم -أيضاً- ضرب المثل بأصحاب الأخلاق الفاضلة، أما ترى إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرأف أمتي بأمتي أبو بكر -مثلاً- وأصدقهم حياءً عثمان) فقد لفت نظرنا واستخدم شخصيات تميزت بأخلاق معينة حتى يحمسنا نحن الأمة الذين نتربى على أحاديثه بأن نكون عندنا رأفة، ويكون عندنا حياء، بأن نقتدي بـأبي بكر في رأفته وبـعثمان في حيائه. وكان يقول: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء إستحياءً منه) يضرب لنا مثلاً من الواقع، شخصية تميزت بالحياء، فتتحمس النفوس. فهكذا تكون جهود المربين. إذاً: من عوامل تصحيح الأخلاق السيئة واستبدالها بأخلاق حسنة -وهذا واجبنا جميعاً- أن نربي أنفسنا ونربي غيرنا. والحقيقة أيها الإخوة أن الكلام في موضوع الأخلاق كلام طويل، ونظراً لكثرة المشاكل الموجودة في الواقع والعلاقات، والإخوة الذين ساءت علاقتهم ببعضهم، والأزواج والناس والجيران، فالأمر يحتاج إلى تأكيد ويحتاج إلى زيادة كلام وعرض وإيضاح، ولذلك يحتمل أن يكون هناك درس آخر بعنوان: شجرة أخلاق المسلم، نذكر فيها ونعدد الأخلاق الإسلامية ما هي؟ وما أدلتها وأمثلتها؟ يعني بأي شيء تتخلق؟ إذا نحن عرضنا الأخلاق وأهميتها في القرآن والسنة، وقدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الأخلاق السيئة والمحمودة، وكيفية التخلص من الأخلاق السيئة واكتساب الأخلاق الحميدة. فلعلنا نتبع هذا بموضوع آخر، ما هي الأخلاق التي يجب أن نتخلق بها نظرياً وعملياً؟ وكيف نقلت هذه الأخلاق الحسنة إلى الواقع؟ وكيف طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والأنبياء والتابعون؟ وهكذا.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.