الأحد، 5 يونيو 2011

(إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم)

(إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم)

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله {يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُسْلِمُونَ} {يا أيّها الناسُ اتّقُوا ربَّكمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهََ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كان عَلَيْكُمْ رَقِيباً} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد ، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

قال الإمام مالك رحمه الله :

" لايؤخد العلم عن أربعة:

• سفيه معلن السفه .

• و صاحب هوى يدعوا إليه .

• و رجل معروف بالكذب في أحاديث الناس و إن كان لايكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم .

• و رجل له فضل و صلاح لا يعرف ما يحدث به ".

وقال الإمام البربهاري رحمه الله :

" واحذر ثم احذر أهل زمانك خاصة ، و انظر من تجالس و ممن تسمع ، و ممن تصحب فإن الخلق كأنهم في ردة إلا من عصمه الله منهم ".

وقال أيضًا رحمه الله :

" والمحنة في الإسلام بدعة ، وأما اليوم فيمتحن بالسنة لقوله: (إنَّ هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم) و (لا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون الشهادة) فننظر فإن كان صاحب سنة، له معرفة، صدوق كتبت عنه و إلا تركته ".

[‏ كتاب شرح السنة للبربهاري طبعة دار الأثار الصفحة : 45 ، 46 ].

وقال الإمام ابن العربي رحمه الله :

" فما زال السلف يزكون بعضهم بعضًا ويتوارثون التزكيات خلفًا عن سلف، وكان علماؤنا لا يأخذون العلم إلا ممن زُكِّي وأخذ الإجازة من أشياخه".

وقال الإمام النووي رحمه الله :

" ولا يتعلَّم إلا ممن تكملت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته؛ فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: (هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)".

وقال الإمام مسلم رحمه الله في [‏ مقدمة صحيحه ] :

" بابُ: بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة مما فيهم جائز؛ بل واجب، وأنَّه ليس من الغيبة المحرمة؛ بل من الذبِّ عن الشريعة المكرمة".

وقال أيضا رحمه الله:

" عن ابن سيرين قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا لنا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ عنهم حديثهم)، عن أبي الزناد عن أبيه قال: ( أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث، قال ليس من أهله)

عن سفيان بن عيينة قال مسعر: سمعت سعد بن ابراهيم يقول: (لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات)، قال عبد الله بن المبارك: (الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)، وقال أيضًا: (بيننا وبين القوم القوائم) يعني الإسناد " .

وقال الإمام الدارمي رحمه الله :

" باب في الحديث عن الثقات، عن الأوزاعي قال سليمان بن موسى: (قلت لطاوس: إن فلانا حدثني بكذا وكذا؛ قال: إن كان صاحبك مليا فخذ عنه)، عن أبي عون عن محمد قال: (إن هذا العلم دين فالينظر الرجل عمن يأخذ دينه)، عن عبد الله بن عمر قال: (يوشك أن يظهر شياطين قد أوثقها سليمان يفقهون الناس في الدين)".

وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :

"عن عقبة بن نافع قال لبنيه: (يا بني لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة)، وعن ابن معين قال: (كان فيما أوصى به صهيب بنيه أن قال : يا بني لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة ) ، وقال ابن عون: (لا تأخدوا العلم إلا من شهد له بالطلب)".

وقال الإمام ابن أبي حاتم في [‏ كتابه الجرح و التعديل ] :

"باب في الأخبار أنها من الدين و التحرز و التوقي فيها" .

ثم ساق أثر ابن سيرين، ثم أثر أنس بن مالك أنه دخلوا عليه في مرضه فقال: (اتقوا الله يا معشر الشباب انظروا ممن تأخذون هذه الأحاديث فإنها من دينكم)، وأثر بهز بن أسد أنه قال: (لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول)، في الأثر : (دينك دينك إنما هو لحمك و دمك فانظر عمن تأخذ خذ عن الذين استقاموا و لاتأخذ عن الذين مالوا) ، قال ابن سيرين : (كان في الزمن الأول الناس لايسألون عن الإسناد حتى و قعت الفتنة فلما و قعت الفتنة سألوا عن الإسناد ليحدث حديث أهل السنة و يترك حديث أهل البدعة)".

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله:

" كتب مالك بن أنس إلى محمد بن مطرف: (سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله - فذكره بطولة - ... خذه - يعني العلم - من أهله الذين ورثوه ممن كان قبلهم يقينا بذلك ولاتأخذ كلما تسمع قائلا بقوله فإنه ليس ينبغي أن يؤخذ من كل محدث ولا من كل من قال وقد كان بعض من يرضى من أهل العلم يقول إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخدون دينكم) ".

وقال رحمه الله أيضًا:

" ولا يُروى إلا عن الثقات -ثم أورد بسنده- عن بهز بن أسد أنه كان يقول إذا ذكر له الإسناد فيه شيء قال:  هذا فيه عهدة)، ويقول: (لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول)، وبسنده أيضا عن سعد بن ابراهيم قال: (لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن الثقات)، وبسنده عن عمرو بن ثمر عن جابر قال: قلت لإبي جعفر: أقيد الحديث إذا سمعته؟ قال: إذا سمعت حديثا من ثقة خير مما في الأرض من ذهب و فضة ).

وبسنده، عن بن عون عن محمد بن سيرين قال: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه ذهب العلم وبقي منه غبرات في أوعية سوء)

وبسنده أيضًا، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الأسود عن المنذر بن الجهني، وكان قد دخل في هذه الأهواء ثم رجع فسمعته يقول: (اتقوا الله و انظروا عمن تأخذون هذا العلم فإنا كنا ننوي أن نروي لكم ما يضلكم).

و بسنده، عن أحمد بن يوسف بن أسباط سمعت أبي يقول: (ما أبالي سألت صاحب بدعة عن ديني أو زنيت)".

وأورد السيوطي رحمه الله في [‏ صفة من يؤخذ عنه العلم ] فقال :

" من اشتهرت عدالته بين أهل العلم وشاع الثناء عليه -ثم أورد أثر سعيد بن ابراهيم-: (لا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الثقات) وأثر ابن سيرين: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخدون دينكم)".

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله :

" الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في [‏ مجموع الفتاوى ] :

" ومن له في الأمة لسان صدق بحيث يثنى عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى".

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في [‏ الإعتصام ] :

"والعالم إذا لم يشهد له العلماء، فهو في الحكم باقٍ على الأصل من عدم العلم؛ حتى يشهد فيه غيره ويعلم هو من نفسه ما شهد له به، وإلا فهو على يقين من عدم العلم أو على شك، فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين على الإحجام لا يكون إلا باتباع الهوى، إذ كان ينبغى له أن يستفى في نفسه غيره ولم يفعل، وكل من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره ولم يفعل ".

وقال العلامة الألباني رحمه الله معلقا على هذا الكلام الإمام الشاطبي الذي ذكر آنفاً في [‏ الصحيحة ] :

"هذه نصيحة الإمام الشاطبي إلى العالم الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم بنصحه بأن لايتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء، فماذا كان ينصح يا ترى لو رأى بعض هؤلاء المتعلقين بهذا العلم في زماننا هذا؟

لاشك أنه سيقول له: (ليس هذا عشك فادرجي) فهل من معتبر؟!!

و إني والله لأخشى على هذا البعض أن يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزع عقول أهل هذا الزمان، و يخلف لها هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء و ليسوا على شيء) و الله المستعان" .اهـ

وقال رحمه الله كلامًا نفيسًا أيضًا في التزكية، كما ورد في [‏ شريط المتجرؤون على الفتيا ] كذلك الشريط الأول من [‏ أشرطة دعوتنا ] :

" عندنا مثلا الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة ، عندنا الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله و عندنا هذا الرجل الذي ابتلي به الشعب الأردني في هذا الزمان بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً من الخلف يقول مثلا عن الشيخ عبد العزيز بن باز : (بأنه لا علم عنده بالتوحيد)!!

فأنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه؟

الشيخ ابن باز مثلاً ملئ علمه العالم الإسلامي، إذًا هنا أحد شيئين إما الجهل، أو اتباع الهوى.

فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل، هذا الرجل ابن اليوم في العلم ما أحد عرفه ولا أحد شهد له؛ لا من المهتدين من العلماء، ولامن العلماء الضالين ما أحد شهد له بأنه رجل عالم فلماذا يلتف حول هؤلاء الشباب ؟ ".اهـ

قلت : لعله يعني حسن السقاف الجهمي الضال ..

وسئل العلامة الشيخ الفوزان حفظه الله السؤال التالي :

(لقد كثر المنتسبون إلى الدَّعوة هذه الأيام، مما يتطلَّب معرفة أهل العلم المعتبرين ، الذين يقومون بتوجيه الأمَّة وشبابها إلى منهج الحقِّ والصَّواب ؛ فمن هم العلماء الذين تنصح الشّباب بالاستفادة منهم ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجَّلة وأخذ العلم عنهم والرُّجوع إليهم في المهمَّات والنَّوازل وأوقات الفتن‏)؟

فأجاب:

"الدَّعوة إلى الله أمر لابدّ منه ، والدِّين إنَّما قام على الدّعوة والجهاد بعد العلم النَّافع؛ ‏{ ‏إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 3‏‏‏] ‏؛ فالإيمان يعني العلم بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وعبادته ، والعمل الصَّالح يكون فرعًا من العلم النَّافع ؛ لأنَّ العمل لا بدَّ أن يؤسَّس على علم‏ .

والدَّعوة إلى الله والأمر بالمعروف والتَّناصح بين المسلمين ؛ هذا أمر مطلوب ، ولكن ما كلُّ أحد يُحسنُ أن يقوم بهذه الوظائف ، هذه الأمور لا يقوم بها إلا أهل العلم وأهل الرَّأي النَّاضج ؛ لأنها أمور ثقيلة مهمَّةٌ ، لا يقوم بها إلا من هو مؤهَّلٌ للقيام بها.

ومن المصيبة اليوم أنَّ باب الدّعوة صار بابًا واسعًا، كلٌّ يدخل منه ، ويتسمَّى بالدَّعوة ، وقد يكون جاهلاً لا يُحسِنُ الدَّعوة ، فيفسد أكثر ممَّا يصلح ، وقد يكون متحمِّسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطَّيش ، فيتولَّدُ عن فعله من الشُّرور أكثر ممّا عالج وما قصد إصلاحه ، بل ربّما يكون ممّن ينتسبون للدّعوة ، ولهم أغراض وأهواء يدعون إليها ويريدون تحقيقها على حساب الدّعوة وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة والغيرة على الدّين ، وربّما يقصد خلاف ذلك ؛ كالانحراف بالشّباب وتنفيرهم عن مجتمعهم وعن ولاة أمورهم وعن علمائهم ، فيأتيهم بطريق النّصيحة وبطريق الدّعوة في الظّاهر ؛ كحال المنافقين في هذه الأمة ، الذين يريدون للناس الشَّرَّ في صورة الخير‏.

أضرب لذلك مثلاً في أصحاب مسجد الضِّرار ؛ بنوا مسجدًا ، في الصُّورة والظَّاهر أنه عمل صالح ، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلِّيَ فيه من أجل أن يرغِّبَ الناس به ويقرَّهُ ، ولكنَّ الله عَلِمَ من نيَّات أصحابه أنهم يريدون بذلك الإضرار بالمسلمين ، الإضرار بمسجد قُباء ، أول مسجد أُسِّسَ على التَّقوى ، ويُريدون أن يفرِّقوا جماعة المسلمين ، فبيَّن الله لرسوله مكيدة هؤلاء ، وأنزل قوله تعالى‏: ‏{ ‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏ }‏ ‏[‏التوبة‏:‏107-108 ]‏‏.

يتبيَّن لنا من هذه القصة العظيمة أن ما كلُّ من تظاهر بالخير والعمل الصالح يكون صادقًا فيما يفعل ، فربما يقصد من وراء ذلك أمورًا بعكس ما يُظهِرُ‏ .

فالذين ينتسبون إلى الدَّعوة اليوم فيهم مضلِّلون يريدون الانحراف بالشَّباب وصرف الناس عن الدِّين الحقِّ وتفريق جماعة المسلمين والإيقاع في الفتنة ، والله سبحانه وتعالى حذَّرنا من هؤلاء‏ :‏ ‏{ ‏لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 47‏‏‏] ‏؛ فليس العبرة بالانتساب أو فيما يظهر ، بل العبرة بالحقائق وبعواقب الأمور ‏.‏

والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدَّعوة يجب أن يُنظر فيهم‏ :‏ أين دَرَسوا‏ ؟‏ ومِن أين أخذوا العلم ‏؟‏ وأين نشؤوا‏ ؟‏ وما هي عقيدتهم ‏؟‏ وتُنظرُ أعمالُهم وآثارهُم في الناس ، وماذا أنتجوا من الخير‏ ؟‏ وماذا ترتَّب على أعمالهم من الإصلاح ‏؟‏ يجب أن تُدرس أحوالهم قبل أن يُغتَرَّ بأقوالهم ومظاهرهم ، هذا أمر لا بدَّ منه ، خصوصًا في هذا الزَّمان ، الذي كثر فيه دعاة الفتنة ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعاة الفتنة بأنهم قومٌ من جلدتنا ، ويتكلَّمون بألسنتنا ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سُئِلَ عن الفتن ؛ قال‏ :‏ ‏(‏دُعاةٌ على أبواب جهنَّمَ ، من أطاعَهُم قذفوه فيها‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في [‏ ‏صحيحه‏ ‏( ‏8/92-93‏ )‏ ] من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‏‏‏] ‏، سمَّاهم دُعاةً‏ !

فعلينا أن ننتبه لهذا ، ولا نحشُدَ في الدَّعوة كلَّ من هبَّ ودبَّ ، وكل من قال‏ :‏ ( أنا أدعو إلى الله ، وهذه جماعة تدعو إلى الله ) ‏!‏ لا بدَّ من النَّظر في واقع الأمر ، ولا بدَّ من النَّظر في واقع الأفراد والجماعات ؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى قيَّد الدَّعوة إلى الله بالدَّعوة إلى سبيل الله ؛ قال تعالى ‏:‏ ‏{ ‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏ ...‏‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏‏‏]‏؛ دلَّ على أنَّ هناك أناسًا يدعون لغير الله ، والله تعالى أخبر أنَّ الكفَّار يدعون إلى النار ، فقال‏ :‏ ‏{ ‏وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 221‏‏‏] ‏؛ فالدُّعاة يجب أن يُنظَرَ في أمرهم‏ " .

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب رحمه الله عن هذه الآية ‏{ ‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ‏} ‏‏: ( ‏فيه الإخلاصُ ؛ فإنَّ كثيرًا من الناس إنَّما يدعو إلى نفسه ، ولا يدعو إلى الله عز وجل‏ ) ".‏

قال الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله في درس بعنوان [‏ من هم العلماء ] :

" وهذه النقطة من الأهمية بمكان ، إذ بسبب عدم إدراكها من الكثيرين تخلل صفوف العلماء من ليس منهم ، فوقعت الفوضى العلمية التي نتجرع الآن غُصَصَها ، ونشاهِد مآسيها بين آونة و أخرى .

إنّ من يستحق أن يطلق عليه لفظ العالم في هذا الزمن - وأقولها بكل صراحة - قليل جداًًََََّ، ولا نبالغ إن قلنا نادر ، وذلك أنّ للعالم صفات قد لا ينطبق كثيرٌ منها على أكثر من ينتسب إلى العلم اليوم .

فليس العالم من كان فصيحا بليغا ، بليغا في خطبه ، بليغا في محاضراته ، ونحو ذلك ، وليس العالم من ألف كتابا ، أو نشر مؤلفا ، أو حقق مخطوطة أو أخرجها ؛ لأن وزْن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب وللأسف في كثير من أذهان العامة ، وبذلك انخدع العامة بالكثير من الفصحاء والكتاب غير العلماء ، فأصبحوا محل إعجابهم ، فتري العامّي إذا أسمع المتعالم من هؤلاء يُجيش بتعالمه الكذّاب يضرب بيمينه على شماله تعجبا من علمه وطَرَبَه ، بينما العالمون يضربون بأيمانهم على شمائلهم حُزنا وأسفا لانفتاح قبح الفتنة.

فالعالم حقا من تَوَلَّعَ بالعلم الشرعي ، وألَمَّ بمجمل أحكام الكتاب والسنة ، عارفا بالناسخ والمنسوخ ، بالمطلق والمقيد ، بالمجمل والمفسر ، واطلع أيضا على أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه ، فقد عقد ابن عبد البر رحمه الله تعالى في [‏ جامع بيان العلم وفضله ] بابا ( فيمن يستحق أن يسمى فقيها أو عالما ) ، فليرجع إليه في الجزء (2) ص (43) .

ولا ريب أن تحصيلهم لهذه الأحكام الشرعية قد استغرق وقتا طويلا ، واستفرغ جهدا كبيرا ، وأضافوا إلى ذلك أيضا عدم الانقطاع عن التعلم ، وقد ورد في بعض الآثار أن موسى سأل ربه : ( أي عبادك أعلم ) ؟

قال : ( الذي لا يشبع من العلم ) .

فمن كان هذا حاله فهو العالم الذي يستحق هذا اللفظ الجليل ، إذْ هو المبلغ لشرع الله تعالى ، المُوَقِّع عنه سبحانه وتعالى ، القائم لله عز وجل بالحجة على خلقه ولو قَلَّ كلامه ونَدُر ، أو عُدِم تأليفه .

فهنا فائدة مهمة ، تبين أن جذور الاغترار بمن كثر كلامه قديمة جدا ، وليس حادثة جديدة ، وليست وليدة الساعة ، هذه الفائدة هي ما سطّره الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه القيم النافع [‏ فضل علم السلف على علم الخلف ] ، راداً به على من اغتر بكثرة الكلام ، واعتبره معيارا للعالم ، يقول رحمه الله تعالى كما في كتابه الآنف الذكر : ( وقد ابتلينا بجهلة من الناس ، يعتقدون في بعض من توسَّع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم ، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كلِّ من تقدم من الصحابة ومن بعدهم ؛ لكثرة بيانه ومقاله ، ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين ) .

ثم ذكر الثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وقال : ( فإنّ هؤلاء كلهم أقل كلاما ممن جاء بعدهم ، وهذا -أي هذا التفصيل- تَنَقُّص عظيم بالسلف الصالح ، وإساءة ظن بهم ، ونسبتهم إلى الجهل وقصور العلم ، ولا حول ولا قوة إلابالله ) .

ثم ذكر أثر ابن مسعود وفيه أنه قال : ( إنّكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه ، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه ، فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح ، ومن كان بالعكس فهو مذموم ) .انتهى كلامه رحمه الله .

وهو يشير إلى من توسع في القول في مسائل العلم ، وهذا يجب أن يلحظ ، فكيف لو رأى متكلمي زماننا الذين اتخذهم الناس رؤساء علماء، وهم إنما يتكلمون عمَّا يسمونه بِفقه الواقع ، أما فقه الشرع ، وهو ما يسمونه بفقه الحيض والنفاس ، فهذا في نظرهم قد تعداه الزمن ، ولم يصبح بحاجة ماسة إليه الناس ، ولذا فإنّ فقه الواقع يجعلونه فرض عين على كل عالم وطالب علم ، أما فقه الحيض والنفاس فهذا فرض كفاية .

أقول كيف لو رأى هؤلاء الذين لعبوا بعقول الناس ، وصرفوهم عن دين الله عز وجل وشرعه إلى أهواء سوَّلَها لهم الشيطان وصدَّهم بها عن سبيل الله تعالى ، لا ريب أنّ توجعه رحمه الله تعالى أقوى وأن شكايته أحق .

ومما ينبغي أن يميَّز به من يُطلق عليه لفظ عالم ،كبر السن ، وهذا وإن لم يكن شرطا في بلوغ مرتبة العلماء إلا أن في هذا الزمن ينبغي أن يُجعل هذا كشرط لما يترتب على أخذ العلم عن الصغار من المفاسد الكثيرة ، وأيضا لعدم قُدرة كثير من الناس اليوم على تمييز العالم من غيره ، ولذا قال عبد الله بن مسعود فيما صح عنه يقول : ( لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعن علمائهم ، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا ) .

وقد أسند الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه [‏ نصيحة أهل الحديث ] بسنده إلى ابن قتيبة أنه سئل عن معنى هذا الأثر ، فأجاب بما نصه ، يقول ابن قتيبة : (يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث ) ثم يعلل هذا التـفسير فيقول : ( لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحِدَّتُه وعجلته وسفهه ، واستصحب التجربة والخبرة ، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولا يميل به الطمع ، ولا يستزل الشيطان استزلال الحَدَث ، ومع السّن الوقار والجلال والهيبة ، والحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أُمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه و أفتى هلك وأهلك ) .انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهو كلام جدير بالتأمل ، إن كان بعض العلماء يرى أن بعض الأصاغر هنا هم أهل البدع ، فإن الصغار هنا لفظ عام ، يتناول الصغير لفظا والصغير معنى ، فعلى هذا ينبغي التوجه إلى أهل العلم الكبار وأخذ العلم عنهم ماداموا موجودين ، أمّا لو كان الإنسان في بلد ليس فيها كبير وهناك صغير عنده من العلم ما يؤهله للتدريس ، ويؤهله لتلقي العلم عنه ، فلا بأس حينئذ للحاجة ، لكن العيب كلَّ العيب أن يكون العلماء الكبار موجودين متوافرين فينصرف الإنسان عنهم إلى من دونهم .

هذا وهناك علامات يتميز بها أهل العلم النافع، أقول النافع؛ لأن العلم قسمان :

• علم نافع .

•وعلم ضار .

فهناك علامات يتميز بها أهل العلم النافع ؛ الذين ورد الشرع بفضائلهم وبتزكيتهم ، وهذه العلامات قد ذكر بعضها ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه الآنف الذكر ، سأنقل بعض كلماته رحمه الله بنوع تصرف ، يقول رحمه الله في علامات ومميزات أهل العلم النافع ، وهذه العلامات إنما نذكرها ليستطيع الإنسان أن يميز بين العالم وبين غيره من خلال هذه الصفات، يقول رحمه الله عن هؤلاء العلماء :

• إنّهم لا يرون لأنفسهم حالا ولا مقاما ، ويكرهون بقلوبهم التزكية و المدح ، ولا يتكبرون على أحد ، وأهل العلم النافع كلما ازدادوا في العلم ازدادوا تواضعا لله وخشية وانكسارا وذُلاّ .

• ومن علاماتهم أيضا - هذا كلامه - الهرب من الدنيا ، وأولى ما يهربون عنه منها الرِّياسة والشُّهرة والمدح ، فالتباعد عن ذلك والاجتهاد في مجانبته من علامات أهل العلم النافع ، فإنْ وقع شيء من ذلك - يعني الرياسة أو الشهرة أو المدح - من غير قصد واختيار كانوا على خوف شديد من عاقبته وخشوا أن يكون مكرا واستدراجا ، كما كان الإمام أحمد رحمه الله يخاف ذلك على نفسه عند اشتهار اسمه وبعد سيطه .

• ومن علاماتهم أيضا أنهم لا يدعون العلم ، فلا يفخرون على أحد ، ولا ينسبون غيرهم إلى الجهل ؛ إلا من خالف السنة وأهلها فإنهم يتكلمون فيه غضبا لله ، لا غضبا للنفس ، ولا قصدًا لرفعتها على أحد .

• ومن علاماتهم أيضا أنهم سيؤون الظن بأنفسهم ، ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء ، ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم ، وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها ، وكان ابن المبارك إذا ذَكر أخلاق من سلف ينشد :

( لا تعرضن بذكرانا لذِكـرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمُقعـد )

ولعل في هذه العلامات ما يستطيع به العامِّي وأمثاله أن يميز بين من يستحق أن يُطلق عليه لفظ العالم ممن لا يستحق هذا اللفظ ، والفائدة المَرْجُوَّة من هذا التمييز هي الأخذ عن أهل العلم النافع دون من عَدَاهم من متكلم فصيح و كتاب كبير ممن ليس من أهل العلم .

وبعد أن بين ابن رجب رحمه الله تعالى علامات ومميزات أهل العلم النافع ، فإننا ننتقل من هذه النقطة التي وضحت إن شاء الله أو كادت " .

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين في [‏ شرح كشف الشبهات ] :

" فلابد من معرفة من هم العلماء حقاً، هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربهم حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بهم وليس منهم ، يتشبه بهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال ، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق ، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل ويصوغه بعبارات مزخرفة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون .

هذا معنى كلام المؤلف - رحمه الله- وكأنه يشير إلى أئمة أهل البدع المضلين الذين يلمزون أهل السنة بما هم بريئون منه ليصدوا الناس عن الأخذ منهم ، وهذا إرث الذين طغوا من قبلهم وكذبوا الرسل كما قال الله تعالى : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الله إلا قالوا ساحر أو مجنون }‏[‏ سورة الذاريات، الآية : 52‏‏‏]‏ .

وقال الله تعالى:{ أتواصوا به بل هم قوم طاغون } ‏[‏ سورة الذاريات، الآية : 53‏‏‏]‏ " .

قال إمام الجرح و التعديل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه [‏ دفع بغي عدنان على علماء السنة ] :

" وقد قال علماء السلف كابن المبارك وأمثاله : ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) ، فلا يؤخذ الدين من الملبسين الأدعياء ، ولا من الواضحين في الضلال ، ولا من غيرهم ، وإنما يأخذون العلم من أهل العلم الثقات العدول الموالين في الله والمعادين فيه والمنابذين للباطل والداعين إلى الحق وإلى الهدى المستقيم ، عليهم أن يختاروا ويتثبتوا ولا يتسرعوا فيسمعوا أو يقرؤوا لكل من هب ودب ؛ لأن كثيراً منهم في مرحلة البداية لا يميزون بين حقٍ وباطل فيقرؤون لأمثال من ذكرت فيخرجونه عن منهج الله إلى مناهجهم الفاسدة ، فليحذروا تلك المقولة المضللة : ( نقرأ في الكتب ونسمع من الأشخاص وما كان من حقٍ أخذناه ، وما كان من باطلٍ رددناه ) " .

وقال الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله في شريط اسمه [‏ الأمالي الجامية على الأصول الستة ] :

" إذا علمنا العلم علمنا العلماء من يحملون هذا العلم النافع والعلماء الربانيون الذين يربون صغار الطلبة بصغار العلم ثم يتدرجون معهم حتى يتفقهوا في دين الله لا يبدؤون بالمطولات يبدؤون بالمختصرات حتى يصلوا إلى المطولات يربوهم بالتدريج هؤلاء هم العلماء الربانيون المربون .

احذر أن تفهم من العبد الرباني أو العالم الرباني فهماً صوفياً ضالاً ؛ العبد الرباني عند المتصوفة الذي يصل إلى درجة يقول لشيءٍ كن فيكون .

مفهوم ٌ صوفيٌ ضال مضلل ملحد يعني يعتقد أن معنى العبد الرباني العالم الرباني الذي يصل إلى هذه الدرجة إلى درجة الربوبية يقول للشيء كن فيكون هذه دعوة إلى الضلال إلى الشرك في الربوبية والألوهية معاً ، أدرك هذا الداعي أو لم يدركه فلنحذر كلما نذكر العالم الرباني أو العبد الرباني نحن لا نتحدث بأسلوب المتصوفة ولكننا نتحدث بأسلوب الفقهاء وأهل العلم .

هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين تربى طلاب العلم على أيديهم غذوهم بصغار العلم إلى أن تبحروا في العلوم هؤلاء هم العلماء والفقه عرفنا معنى الفقه هو الفهم الصحيح الثاقب لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .

ومن لديهم هذا الفقه هم الفقهاء العلماء والفقهاء قد يكون من الألفاظ المترادفة إلا أن العلماء أشمل والفقهاء أخص والله أعلم .

(وبيان من تشبه بهم ) كثُر الذين تشبهوا بالعلماء والفقهاء ؛ بل هذه الآونة غلب صغار طلبة العلم على العلماء فصار لفظ العلماء والدعاة علماً بالغلبة في أولئك الذين يشاغبون الشغب فأخذوا هذا اللقب من العلماء واستنكروا للعلماء وزهدوا الناس في العلماء .

العلماء الذين هم على ما وصفنا ربما تنكر لهم بعضهم فأنكروا علمهم وحاولوا أن يحولوا إلى أنفسهم صفة العلم وصفة الفقه وحمل الدعوة والله المستعان .

(وبيان من تشبه بهم وليس منهم ) التشبه والدعوى لا تفيد إن كان التشبه بالقيام بما يقومون به إي اتباعهم والعمل كعملهم هذا تشبه نافع " .

قال الشيخ أحمد بن عمر بازمول في درس بعنوان [‏ شرح أثر إن هذا العلم دين ] :

"من الذي يؤخذ منه العلم؟

من اتصف بالصفات التالية و من توفرت فيه الشروط التالية :

أنه متبع لما جاء في الكتاب و السنة فلا يقدم الأراء ولايقدم العقل ولا يقدم الواقع أو السياسة أو غيرها من الأمور الأخرى على الكتاب والسنة.

• أنه متقيِّد ومنضبط في فهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة .

• أنه ملازم للطاعة مجتنب للمعاصي والذنوب .

• أنه بعيد عن البدع والضلالات والجهالات محذِّرًا منها .

• أنه يرد المتشابه إلى المحكم .

• أنه يخشى الله عز وجل .

• أنه من أهل الفهم و الإستنباط .

و خلاصة هذه الأقوال أن نقول في العالم الذي يأخذ عنه العلم هو من تعلّم الكتاب و السنة على فهم سلف الأمة مجتنبا للبدع وأهلها و للمعاصي و الذنوب هذا الذي يؤخذ منه العلم .

و تقييده بأنه على فهم سلف الأمة و على طريقتهم يدخل فيه الصفات المذكورة سابقا و الأقوال المذكورة سابقا .

فهل من معتبر؟".

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله :

" عليك بطرق الهدى ولا يضرك قلة السلكين وإياك وطرق الضلال ولاتغتر بكثرة الهالكين".

أسأل الله أن يجعله تبصرة للمؤمنين والمخدوعين وأن يجعله ذخرًا لي عند لقائه.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

فيديو سيل من الحصى

 



الله يلطف بنا آمين

سيل من الحصى شاهدوه الآن

الكبر والتكبر والخيلاء


الكبر والتكبر والخيلاء
إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِل له، ومَن يُضْلِل فلنْ تَجِدَ له وليًّا مُرشدًا.

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبدُه ورسوله.

إنَّ الآيات والأحاديث الواردة في الكِبر وتحريمه، من شأْنها أن تجعَلَ المسلم - ذا القلب الحي والإيمان الصادق، والضمير اليَقِظ - يَقِف صاغرًا أمام عَظَمة الله وجلاله، ويندمُ خاشعًا ذليلاً على كلِّ ما فَرَط منه مِن كِبْر أو خُيَلاء، ويَضْرَع إلى الله تائبًا مُّنيبًا راجيًا إيَّاه أن يَرْحَمَ ضَعفه، ويَشفي مِن مرضِ الكِبْر نفسَه، ويَرزقه التواضُعَ للحقِّ، والتطامُن للخَلْق، وأنْ يُنيرَ له طريقَ الهدى، ويردَّه عن أسباب الهلاك والرَّدَى.

الله - تبارك وتعالى - يقول: ﴿
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146].

ويقول - تعالى -: ﴿
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 22- 23].
ويقول - تعالى -: ﴿
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 18 - 19].
ويقول - تعالى -: ﴿
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].
ويقول - تعالى -: ﴿
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].
ويقول - تعالى -: ﴿
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
ويقول - تعالى -: ﴿
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ [الإسراء: 37 - 38].

فالآية الأولى تدلُّ على أنَّ قلبَ المتكبِّر وبَصيرته يعميهما الله - تعالى - فلا يَهتدي إلى الحقِّ أبدًا، وفي آيتي سورة النحل دَلالة على أنَّه لا يَستكبر عن الحقِّ إلا مَن لَم يؤمِن بالآخرة، ويَكفيه خِزْيًا أنَّ الله - تعالى - لا يُحبه، ومعلوم أنَّ الله لا يُكرم إلاَّ مَن أحبَّه ورَضِي عنه.

وفي آيتي لقمان إعلانٌ ببُغْض الله لِمَن أدَّى به الكِبْرُ إلى الاختيال والفَخْر، وفي آية القَصص حُكْمٌ على المتعالين على الناس بِحِرْمانهم من جنة الله ورحمته في الآخرة.

وفي آية غافر رقْم (35): دَلالة على أن قلوبَ المتكبِّرين مُغْلقة عن الحقِّ وعن النور؛ جزاءً من الله وعقابًا لهم.

أمَّا آية غافر رقْم (60)، ففيها الْحُكم على المستكبرين عن الخضوع للحقِّ بجهنم، يُعَذَّبون فيها صاغرين ذليلين؛ لأنَّ معنى داخرين: صاغرون.

وفي آيتي الإسراء تَهَكُّم بالمتكبرين، وإشعارٌ لهم بضآلتِهم وتفاهَتِهم، فمَهْمَا استطالوا، فإنَّ فوقَهم ما لا يطولونه، ومَهْمَا دَقُّوا الأرض اختيالاً وانتفاخًا بالكِبْر، فلنْ يَخرقوها أو يؤثِّروا فيها نتيجة كِبْرهم، بل حَفْنة ترابٍ تُثيرها ريحٌ كفيلة بأن تَغْشى عيونَهم، وتَجعلهم سخريةً للناس.

أمَّا الأحاديث :

فقد أخرَج الإمام أحمد عن أبي سَلَمة بن عبدالرحمن بن عوف، قال: الْتَقَى عبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم - على المروة فتحدَّثا، ثم مَضَى عبدالله بن عمرو،وبَقِي عبدالله بن عمريبكي؛ ص (220)، فقال له رجل: ما يُبْكيك يا أبا عبدالرحمن
؟ قال هذا - يَعني: عبدالله بن عمرو - زَعَم أنَّه سَمِع رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن كان في قلبه مِثقالُ حَبَّة من خَرْدَل مِن كِبْرٍ، كبَّه الله لوجْهه في النار)) ، ورُواة هذا الحديث رُواة الصحيح.

وأخْرَج مسلم والترمذي عن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((
لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مِثقالُ ذَرَّة من كِبْر)) ، فقال رجل: إنَّ الرجلَ يحبُّ أن يكونَ ثوبُه حسنًا، ونَعْلُه حَسَنةً، قال: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ، الكِبْر: بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس)).

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((
قال الله - عزَّ وجلَّ -: الكبرياء رِدَائي، والعَظَمة إزاري، فمَن نازَعَني واحدًا منهما، قذفْتُه في النار))، ورُوِي بألفاظ مختلفة منها: (عذَّبْتُه) و(قصَمْتُه)، و(ألْقَيْتُه في جهنَّمَ)، و(أدخَلْتُه جهنَّمَ)، و(ألْقَيْتُه في النار).

الحديث أصْلُه في صحيح مسلم، وأخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حِبَّان في صحيحه وغيرُهم، وصحَّحه الألباني.

وعن حذيفة- رضي الله عنه - قال: "كنَّا مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جنازة، فقال: ((
ألا أُخبركم بشرِّ عباد الله؟ الفظُّ المستكبر، ألا أُخبركم بخير عباد الله؟ الضعيف المستضعَف ذو الطِّمْرَيْنِ لا يُؤْبَه له، لو أقْسَمَ على الله لأَبَرَّه)) "؛ رواه الإمام أحمد، ورُواته رُواة الصحيح، إلاَّ محمد بن جابر.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((
احتجَّتِ النار والجنة، فقالتْ هذه: يَدخُلُني الجبَّارون والمتكبِّرون، وقالت ْهذه: يدخُلُني الضُّعفاء والمساكين، فقال الله لهذه: أنتِ عَذَابي أعذِّبُ بكِ مَن أشاء، ورُبَّما قال: أُصيبُ بكِ مَن أشاء، وقال لهذه: أنتِ رحْمَتي أرحمُ بكِ مَن أشاء، ولكل واحدةٍ منكما مِلْؤُها)) ؛ صحيح الإمام مسلم.

وفي صحيح مسلم وسُنن النَّسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((
ثلاثة لا يُكَلِّمهم الله يوم القيامة، ولا يُزَكِّيهم، ولا يَنظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذَّاب، وعائلٌ مُستكبر)).

ومن الآثار:

قال أبو بكر الصِّدِّيق - رَضِي الله عنه -: "
لا يَحْقِرَنَّ أحدٌ أحدًا من المسلمين؛ فإنَّ صغيرَ المسلمين كبيرٌ عند الله – تعالى".

وقال محمد بن الحسين بن علي:"ما دَخَل قلبَ امرئ شيءٌ من الكِبْر قطُّ، إلاَّ نقَص من عقْله بقَدْر ما دَخَل من ذلك؛ قلَّ أو كَثُر".

وقال النُّعمان بن بَشير على المنبر:"
إنَّ للشيطان مَصَالِيَ وفُخوخًا، وإن مَصَالِي الشيطان وفُخوخَه البَطَرُ بأَنْعُم الله، والفَخْر بإعطاء الله، والكِبْر على عباد الله، واتِّباع الْهَوَى في غير ذات الله".

وسُئِل سليمان عن السيِّئة التي لا تَنفع معها حَسَنة، فقال: "الكِبْر".

وأمَّا الاختيال، فقد جاءتْ فيه نصوص كذلك من الكتاب والسُّنة والآثار، تستحقُّ الوقوفَ عندها، والتأمُّل فيها؛ ليتحسَّسَ كلُّ إنسانٍ نفسَه، ويحاول التخلُّصَ من هذا المرض الفتَّاك - إنْ كان عنده شيءٌ منه
وإليكم الأدلة على ذلك :

قال الله - تعالى -: ﴿
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

وقال - تعالى -: ﴿
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].

الأدلة من السُّنة:

عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((
بينما رجلٌ يتبخْتَر في بُرْدَيْنِ وقدْ أعجبتْه نفسُه، خُسِفَتْ به الأرضُ، فهو يتجلْجَل فيها إلى يوم القيامة))؛ مُتفق عليه.

عن أبي هريرة- رضي الله عنه – يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: ((
بينما رجلٌ يَمشي في حُلَّة تُعجبه نفسُه، مُرَجِّلٌ جُمَّتَه، إذ خَسَف الله به، فهو يَتجلْجَل إلى يوم القيامة)) ؛ صحيح البخاري.

عن ابن عمر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((
لا ينظر الله إلى مَن جرَّ ثوبَه خُيلاءَ))؛ صحيح مسلم.

ورُوِي أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((
مَن تعظَّم في نفسه أو اخْتَال في مِشْيته، لَقِي الله وهو عليه غَضْبان))؛ البيهقي.

الأدلة من الآثار:

رأى ابن عمر رجلاً يجرُّ إزارَه خُيَلاءَ، فقال:"
إنَّ للشيطان إخوانًا"، وكرَّرها مرتين أو ثلاثًا.

ويُرْوَى أن مُطَرِّف بن عبدالله بن الشِّخِّير رأى المهلب وهو يتَبَخْتَر في جُبَّة خَزٍّ، فقال: يا عبدالله، هذه مِشْية يُبغِضُها الله ورسوله، فقال له المهلب: أما تَعرفني؟ فقال: بل أعرفُك أوَّلُك نُطفة مَذِرَة، وآخِرُك جِيفة قَذِرة، وأنت تَحمل العَذِرَة، فمَضَى المهلب وتَرَك مِشْيته، وكان المهلب مَلِكًا.

ومرَّ بالحسن شابٌّ عليه بَزَّة حَسَنة، فدعَاه، فقال له: ابن آدمَ، مُعجَبٌ بشبابه، مُحِبٌّ لشمائله، كأنَّ القبرَ قد وارَى بدنَك، وكأنَّك قد لاقيتَ عمَلك، وَيْحَك داوِ قلبَك؛ فإنَّ حاجةَ الله إلى العباد صلاحُ قلوبهم، والاختيالُ دليلُ فسادها.

حقيقة الكبر والتكبُّر:
الكِبْر نوعان: باطن وظاهر:

فالباطن: خُلُقٌ في نفس الإنسان، والظاهر: أعمال تَصْدر عن الجوارح، وهذه الأعمال الظاهرة هي ثمرات لِمَا في الباطن، فالباطن هو الأصل، والظاهر فرْعٌ منه.

والكِبْر الباطني معناه: أن يرى المتكبِّرُ نفسَه فوقَ مَن يتكبَّر عليه، بحيث يَصير ذلك كالعقيدة عنده، فيفرح به، ويَرْكن إليه، ويعتزُّ في نفسه بسببه، وذلك هو خُلُق الكِبْر.

وعلى هذا، فالكِبْر يَستدعي توافر أمورٍ ثلاثة:
1- إنسان متكبِّر.
2- موجود يتكبَّر الإنسان عليه.
3- سبب لهذا الكِبْر.

فلا يُتَصَوَّر أن يوجَد إنسان مُتكبِّر، دون أن يوجَدَ مَن يتكبَّر عليه؛ لأنه يرى نفسَه فوقَه في صفات الكَمال، كما أنه لا يُعتبر مُتَكبِّرًا بمجرَّد استعظامه لنفسه؛ فقد يَستعظم نفسه، ولكنَّه يرى غيرَه أعظمَ منه، كما أنه لا يُعتبر مُتكبِّرًا بمجرَّد احتقاره غيرَه؛ فقد يَحتقر غيرَه، ويَحتقر نفسَه مثلَ احتقاره.

وإنما يوجَد الكِبر من أمورٍ ثلاثة، هي: أن يرى لغيره منزلةً ويَرى لنفسه مَنزلة، ويرى أنَّ منزلتَه فوقَ منزلة غيره، فبهذه الثالثة يَحصل خُلُق الكِبْر الباطني، ويُسَمَّى أيضًا: عِزَّة وتعظُّمًا، وتَعَالِيًا وانتفاخًا؛ حتى قال عمر بن الخطاب لرجل استأْذَنَه في وعظِ الناس بعد صلاة الفجر: "أخْشَى أن تَنتفِخَ حتى تَبْلُغَ الثُّرَيَّا"
.

ثم إنَّ هذه الحال التي تَحصل للإنسان حتى يَكبر في نفسه، إذا وُجِدتْ آثارُها في تصرُّفاته مع الغير، فإنَّه يُسَمَّى حينئذٍ مُتَكَبِّرًا، فالكبر: حالة نفسيَّة، والتكبُّر: أثَرٌ لهذه الحالة النفسية"؛ ا.هـ ملخَّصًا من
"إحياء علوم الدين"؛ للغزالي.

وتجد الآيات التي ذُكِر فيها الكِبْر - وكذلك الأحاديثُ التي تَحَدَّثتْ عنه - يُذْكَر فيها أحيانًا الكِبْرُ بمعنى: الحالة النفسيَّة، وأحيانًا التكبُّر بمعنى: الآثار المرتبة على ما في النفس، وأحيانًا يُذْكَر الأمران معًا.

فمثال الأول: قوله - تعالى -: ﴿
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 56].

ومثال الثاني: قوله - تعالى -: ﴿
وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93].

ومثال الثالث: قول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((
مَن تعظَّمَ في نفسه واخْتَال في مِشْيَته، لَقِي الله وهو عليه غَضبان))؛ البيهقي.

فالآية الأولى: أن في نفوس الكافرين عَظَمةً لَم يَبْلغوها ولَم يَستحقُّوها.

والآية الثانية: بيَّنَتْ أن الكافرين أعْرَضوا عن آيات الله، وتكبَّروا عن قَبولها.

والحديث أوْضَحَ أنَّ مَن انتفخَتْ نفسُه كِبْرًا، وظَهَر أثَرُ كِبْره بالاختيال في مِشْيته، غَضِب الله - تعالى - عليه.

وأنواع التكبُّر ومظاهر الكِبْر وآثاره في الناس كثيرةٌ، لا يُمكن إحصاؤها، وهي تَختلف من فردٍ لآخَرَ، ومن بيئة لأخرى، ومِن عصْرٍ لعصر، وهكذا.

فالولد الذي يأْنَفُ أن يسمعَ لأبيه ويَخضع له - لأنه تعلَّم أكثرَ من أبيه - هو إنسانٌ عاقٌّ؛ بسبب التكبُّر على والده، ومأْواه النارُ، إلاَّ أن يَعْفُوَ عنه أبوه، ويَغْفِر له.

والمرأة التي تَأْنَفُ أن تَخضع لزوجها وتُطيعه وتَلين له - لأنها موظَّفة مِثْله، أو لأنها غنيَّة بمالها أو بجمالها - تُعتبر مُتَكَبِّرة على زوجها وعاصية له، ومُحَرَّمٌ عليها أنْ تدخُلَ الجنة؛ حتى تُعَذَّبَ في جهنَّمَ، أو يُسامِحَها زوجُها، أو يتفضَّل عليها ويَغفر لها.

والطالب الذي يتعالَى على أُستاذه - لغِناه أو مَنصب أبيه - هو مُتَكَبِّر، دَنِيء النفْس.

والرئيس الذي يَنظر إلى مَرْؤوسِيه نظرةَ احْتقارٍ، ويُعاملهم كعبيد - هو إنسانٌ مُتكبِّر لا يُساوي عند الله حشرةً بَغيضة.

والعالِم الذي ينتظرُ مِن الناس أن يَنْحَنُوا له، ويُقَبِّلوا يَدَيه، ويَحملوا حِذَاءَه - هو عالِمٌ رَكِبه الكِبْرُ، فصارَ أجْهلُ الناسِ خيرًا منه.

والمدير الذي يركب رأْسه مُتَّجِهًا في عمله إلى الأخطاء الضارَّة بالأمة، وإذا نُصِح أعْرَض وسَخِط على مَن نَصَحه - هو إنسانٌ دَمَّر الكِبرُ جانبَ الخير فيه؛ حتى صارَ لا يَستحقُّ الوَرق الذي عليه اسمه.

والذي يُوعَظُ فتأخذُه العِزَّة، أو يَمرُّ على الناس فيغضب لأنهم لَم يقوموا له، أو يدخل مكانًا عامًّا فيأْنَف منه؛ لأن الموجودين ليسوا على شاكِلَته، أو يأمر أمْرًا فيَكيل الشتائِمَ للمأمورين؛ لأنهم لَم يُسْرعوا في تنفيذ أمره، كلُّ هؤلاء متكبرون، محرومون من أبرز صفات المؤمنين، وهي التواضُع.

إن المتكبِّر لو اخْتَرَق حُجبَ الغيب، وعَلِم أنَّ الله يُحبُّه ويُكرمه أكثرَ من غيره، فذَهَب ليَخْتال على الناس بذلك ويتكبَّر عليهم، لكان جزاؤه أنْ يَخسِف اللهُ الأرضَ به، ويجعله نَكالاً وعِبْرة لغيره، فما باله يتعالَى على الناس ويتكبَّر عليهم، وهو لا يَدري مصيرَه، ولا يعلم مآلَه عند الله؛ من نعيم أو عذاب، ومِن مَغفرة أو لَعْنة، ومن سعادة أو شَقاء؟!

ومن هنا نُدرِك قولَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((
المتكبرون يوم القيامة أمثالُ الذَّرِّ في صُوَر الرجال، يَغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكان، فيُسَاقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ، يُقَال له: \"بُولَس\"، تَعلوهم نارُ الأنيار، يُسْقَون من عُصَارة أهل النار طينة الْخَبَال))؛ رواه الترمذي، وقال: حَسَنٌ صحيح، وحَسَّنه الحافظ في الفتْح.

والكِبر حين يَستشري في النفْس، ويَتمكَّن من قلب الإنسان، ويَملِك عليه حِسَّه وفِكْره، يكون أسوأَ ما يُصيب الإنسان من أمراض القلب؛ فما مِن خُلُق من الأخلاق المذمومة، إلاَّ وتَجِد صاحبَ الكِبْر مُتَّصِفًا به.

فهو لا يحبُّ للمؤمنين ما يحبُّ لنفسه، ولا يَقدر على التواضُع، ولا يتخلَّص من الْحِقد، ولا يتغلَّب على الغضب والغيْظ، ولا يستطيع دفْعَ الْحَسد عن نفسه، ولا يَقبل نصيحة ناصحٍ، ولا تعليم عالِم، ولا يعامل الناس إلاَّ بالازدراء والاحتقار، وإذا مَشَى اخْتَال، وإذا تكلَّم افْتَخَر، وإذا نصَح سَخِر من الناس وحقَّرهم، وإذا تَحدَّثَ تقعَّر في الكلام وتشدَّق، وإذا جالَسَ الناسَ غَضِب إذا لَم يكنْ له صدرُ المجلس، وأوَّلُ الكلام، وغايةُ التعظيم والاحترام.

فلذلك أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه لا يدخُل الجنةَ مَن كان في قلبه مِثقالُ ذَرَّة من كِبْرٍ.

فقد حجَبَ الكِبرُ المتكبِّرين عن الجنة؛ لأنه حجَبَهم عن الأخلاق الحميدة، والصفات الْحَسنة -أعاذنا الله جميعًا منه، ورَحِمنا من آثاره.

أقسام الكِبر:

ينقسم الكِبْر إلى ثلاثة أقسام:

1- التكبُّر على الله.
2- التكبُّر على الرُّسل.
3- التكبُّر على الناس من غير المرسلين.

فالتكبُّر على الله: هو أفحش أنواع التكبُّر، وسببُه الجهلُ الْمَحض، مع تشبُّع النفْس بالطُّغيان، خصوصًا إذا الْتَفَّ حول المتكبِّر صُحْبة مُنْحَطَّةُ الأخلاق، تُسَوِّل له الانتفاخَ والتكبُّرَ على الله، وعلى رُسله، وعلى عباد الله؛ حتى تنالَ من ورائه مَغانِمَها، وتتسلَّق على حسابه قمَّةَ المناصب؛ مُتَسَلِّطة ومُتَجَبِّرة، وظالمة ومُفْسِدة، وهذا واضِحٌ في الْحُكَّام والأغنياء، وذَوي المكانة والمناصب، إلاَّ ما رَحِم الله.

• فمن أمثلة التكبُّر على الله قولُ فرعون: ﴿
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24].

وقول النمرود لإبراهيم - عليه السلام -: ﴿
أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258].

وقول كفار قريش حين أُمِروا بالسجود: ﴿
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60].

• ومن أمثلة التكبُّر على الرُّسل قولُ فرعون ومَن معه: ﴿
أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 47].

وقول كُفَّار العرب في شأْنِ الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 21].

وقالوا: ﴿
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31].

ويَعنون بذلك أنه: لو كان الله اختارَ رسولاً، فلماذا لَم يجعلْه واحدًا عظيمًا غنيًّا من مكةَ، كالوليد بن الْمُغيرة، أو من الطائف، كعروة بن مسعود الثقفي؟

• وأما أمثلة التكبُّر على الناس، فقد مرَّ ذِكْرُ الكثير منها، ومما جاء في القرآن منها قولُ إبليس في آدمَ - عليه السلام -: ﴿
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].

وهذا في أصْله تكبُّر على خَلْق الله، ولكنَّه جَرَّ إبليسَ إلى التكبُّر على الله - تعالى - وكثيرًا ما يقع ذلك؛ حيث يستكبرُ العبد على الله؛ لأنه رفَض النصيحة من عبدٍ من عباد الله.

ومعلومٌ أنَّ الكِبْر على الله كُفرٌ، والكبر على رُسل الله كُفرٌ، والكِبر على عباد الله كفْرٌ إنْ أدَّى إلى رفْض ما جاء عن الله، أو عن رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من العِلْم والدِّين، والأوامر والنواهي والإرشادات، وإنْ لَم يؤدِّ إلى ذلك، وكان مجرَّد تَكَبُّر على الناس لا يعدوهم، فإنَّ هذا التكبُّر مُحَرَّمٌ، يستحق صاحبُه بسببه عذابَ الله، كما سبَق في الأحاديث.

وقد فسَّر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الكِبْرَ بالنوعين معًا:

النوع الذي هو كفرٌ، وهو التكبُّر على الله وعلى رُسله، والنوع الذي هو مَعْصية وليس كفرًا، وهو التكبُّر على الخَلْق، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

((
لا يدخُل الجنة مَن كان في قلبه مِثْقَال ذَرَّة من كِبْر)) ، قال رجلٌ: إنَّ الرجل يحبُّ أنْ يكون ثوبُه حسنًا ونَعْلُه حَسَنة، قال: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكِبْر: بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس))؛ صحيح مسلم.

وكثيرٌ من الناس ضحايا للمتكبرين عليهم، المحتقرين لهم، والناظرين لهم بازدراءٍ واستخفاف، فالفقراء ضحايا صَلَفِ الأغنياء، والضُّعفاء ضحايا استبدادِ الحُكَّام والرؤساء، ومَن لا يعلمون ضحايا تَكَبُّر وغُرور العُلَماء، واليتامَى ضحايا أَنَفة الأوْصياء، والنساء ضحايا غَطْرَسة واستهتار الرجال الأقوياء، والشعوب ضحايا المتألِّهين وأنصاف الآلهة، ممن نفخَتْهم عَظَمةُ الْحُكم؛ حتى بذَروا في أرض بلادهم كلَّ أسباب الشقاء.

لقد كان الأجدر بالغَني أن يَعتبِرَ بقصص المستكبرين من أمثاله، وينظر ماذا فعَل الله بهم؛ فقد كان قارون غنيًّا لدرجة أنَّ الله قال فيه: ﴿
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76].

ولكنَّه لَمَّا طغَى وتكبَّر وأعْرَضَ عن المؤمنين - تطاولاً وتجبُّرًا - حدَثَ له ما ذَكَره الله - تبارك وتعالى - في قوله: ﴿
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].

وكان الأولى بالْحُكَّام المتألِّهين، المستعبِدين للرعيَّة، المحتقرين للشعب - أن يَسْمَعوا القرآن وهو يقصُّ ما حَدَث لأمثالهم؛ حتى يعتبروا ويَزدجروا، فقد كان فرعون قمَّة في الطُّغيان في عصْره، وشرَّ مُتَكَبِّرٍ على شعْبه، أوْهَمَ شعْبَه أن كلَّ خيرٍ وفضْل ونعمة، هو مِن بَحْر جُوده وكَرَمه، فقال: ﴿
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51].

ونظَر إلى شعْبه - الناصح له - بازدراء واحتقار، فقال في موسى - عليه السلام -: ﴿
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52].

ووصَل الأمر إلى ما ذَكَره الله - تعالى -: ﴿
فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 23 - 24].

وكان الأجدر بالعلماء أن يتَّعِظوا بما حدَث للمتكبِّرين من أمثالهم؛ فيتواضعوا للمؤمنين، ويتأثَّروا بسيرة خَيْر النبيين، ويشكروا الله على فضْله عليهم؛ حيث أعطاهم ما لَم يُعْطِ غيرَهم، ويتذكَّروا ما حدَث للمتكبِّرين من علماء بني إسرائيل مثل بلعام بن باعوراء وغيره؛ حيث قال الله فيهم: ﴿
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5].

أمَّا الذين يتكبَّرون بسبب العبادة أو الجمال، أو القوة أو الْحَسب والنَّسب، أو كثرة الأتْباع والأنصار، فإنَّ حُمْقَهم مَكشوفٌ، ومَقْت الناس لهم يَكفيهم، ولَمَقْتُ الله أكبر.
ونسأل الله أن يَحفظَنا من هذه الصفة الخبيثة؛ إنَّه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.