سمعت همسك ونجواك
وهسيس نجومك حبيبي
كالدماء تسير في شرياني
وتسافر كعاشق في أرجاء ليلي
تهفو إلى إمتلاء عيون فجري
بالندى ونداءات الصباح
حين تهمهم ليمام عشقي
على أغصان روحي
أنني سأولد كأسطورة العنقاء
المخضبة بإنثيالات قصيدتك العصماء
فلا يسعني إلا أن أقول لك
صباحك ياسمين حبيبي
فزمن العنقاء ولى ولم يبقى لنا
سوى سويعات مخضبة
ببعض حب ولهفة
ربما توردت وجناتها كأنبلاج الضحى
في حدائق روحك وروحي
المزينة بأسرار حكاية عشقنا
يسرى الرفاعي
سوسنة بنت المهجر
وسائل تغيير الأخلاق السيئة واكتساب الأخلاق الحسنة:
ونأتي
الآن إلى الجزء المهم من الموضوع، أو الجزء الأهم من الناحية العملية، وكل
ما فات فهو تقدمة مهمة لهذا الأمر، وهو: كيف نغير أخلاقنا السيئة
ونستبدلها بأخلاق حسنة؟ كيف نتخلق بالأخلاق الحسنة؟ للإجابة على هذا السؤال
نبدأ بمقدمة: هل الأخلاق مسألة موروثة أم مكتسبة؟ هل الأخلاق تأتي
بالوراثة أم يمكن اكتسابها؟ الحقيقة أيها الإخوة: أن الأخلاق موروثة
ومكتسبة، هناك أخلاق موروثة يجبل عليها الإنسان، قد يجبل على خصال حميدة أو
يجبل على خصال غير حميدة، وقد يكون أبو الإنسان حليماً فيخرج الولد
حليماً، وقد يكون والد الإنسان كريماً فيخرج الولد كريماً، وقد يكون الأب
بخيلاً فيخرج الولد بخيلاً، يطبع على خصلة موروثة فيه، في جبلته، ونلاحظ
على الأطفال أشياء من هذا، تجد ولداً كلما جاء إليه طفل يطلب منه لعبة
أعطاه إياها، أي: أنه يعطي ألعابه للأطفال، وطفل كلما جاء مثيل له يأخذ
لعبة ضربه وأخذها منه ومنعه من أخذها، فهي قضية موروثة. ولكن هذه الأشياء
الموروثة هل هي قابلة للتغير أم أنها طابع قد ختم به على صاحبها فلا يمكن
تغييره أبداً؟ الجواب: هناك مجال للتغيير في الأخلاق الموروثة، ولذلك أمرنا
بالمجاهدة. أما الأخلاق المكتسبة فأمرها سهل، فهي أسهل من الأخلاق
الموروثة في كثير من الأحيان، لأنك الآن تتعلم وتتعود وتكتسب، لكن الأخلاق
الموروثة والطبائع تغييرها أصعب، والإنسان يصعب عليه أن يغالب طبيعته،
ولكننا لا نستسلم لهذه الصعوبة، رغم أن هذه قضية قد تكون موروثة لكن لا بد
أن نغير، والله لم يكلفنا بمستحيل. الأخلاق منها ما هو جبلي موروث، ومنها
ما هو كسبي يمكن أخذه. فالدليل على أن الأخلاق منها ما هو جبلي ما ورد في
الحديث الصحيح: (إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة) فهذان الخلقان
جبل عليهما هذا الرجل، وهذا رجل جاهلي أصلاً، جبل على هذين الخلقين: الحلم
والأناة. وأما الدليل على أن الأخلاق يمكن أن تكون مكتسبة، فهو حديثه عليه
الصلاة والسلام (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم) وفي حديث آخر: (ومن
يتصبر يصبره الله) فدل ذلك على أن الصبر والحلم خلقان يمكن اكتسابهما إذا
تعود الإنسان عليهما، ما معنى الحلم بالتحلم؟ يعني أن تعود نفسك على الحلم
وتراغم نفسك على الحلم، وتحملها على هذا الخلق، وبعد فترة يصبح هذا الأمر
فيك ملكة وسجية، فتكتسب هذا الخلق. وأيضاً في دعاء الاستفتاح يقول عليه
الصلاة والسلام: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت) معنى ذلك: أن
الأخلاق المحمودة سؤالها من الله عز وجل ممكن، وكذلك الأخلاق المذمومة
يمكن أن يسأل الإنسان ربه أن يصرفها عنه فتصرف. فإذاً: هذه الأخلاق
المكتسبة تنال بالتخلق والتكلف حتى تصير سجية وملكة. ما هي وسائل تغيير
الأخلاق السيئة واكتساب الأخلاق الحسنة؟ إليكم -أيها
الإخوة- خمس عشرة وسيلة من وسائل اكتساب الأخلاق الحسنة والتخلص من
الأخلاق الذميمة، وهذا مبحث مهم وهذا هو لب الموضوع، وهذا هو الأمر الذي لا
بد منه، والسعي في فهمه وتطبيقه.
العلم والتأمل بما دل عليه القرآن والسنة:
أولاً: العلم
والتأمل بما دل عليه القرآن والسنة من الأخلاق الحسنة، وما حذر من الأخلاق
السيئة. فأول شيء المسألة العلمية: أن تعلم ما هي الأخلاق الحسنة وما هي
الأخلاق السيئة؟ وقد ذكرنا طرفاً من هذا أول الدرس، ذكرنا أمثلة من الأخلاق
الحسنة التي أمر بها القرآن والسنة، وأمثلة من الأخلاق السيئة التي نهى
الله عنها في كتابه ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم. لكن لو أن الإنسان تفكر
في هذه الآيات: إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً [المعارج:19].. وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:54].. وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11]، كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] أي جحود وكفور! فيظهر لك هنا أن الله عز وجل ذكر أخلاقاً مذمومة في الإنسان، منها: العجلة، والجدال، والطغيان، والجحد، والهلع، وفسره بقوله: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج:20-21]. لو تأملنا في الأخلاق السيئة وتعرفنا على الأخلاق السيئة اجتنبناها، وإذا تعلمنا الأخلاق الحسنة شرعنا في اكتسابها.
المجاهدة:
ثانياً: المجاهدة.
إن من أعظم وسائل تغيير الأخلاق السيئة إن لم تكن هي أهمها على الإطلاق،
كيف يكتشف الإنسان أن لديه خلقاً سيئاً؟ إذا حصلت حادثة -مثلاً- غضب، وقال كلمة سيئة، أو أتى بتصرف غير صحيح، يعرف أن عنده خلقاً سبباً: سوء
غضب، أو فحش في الكلام، فماذا يفعل في المواقف التي يستثار فيها؟ ينبغي أن
يكبت نفسه، ويمسك نفسه، ويصبر عن أن يتكلم بكلمة فحش، أو يأتي بتصرف غير
لائق بالمسلم. وإذا دعي إلى الإنفاق فإن النفس تقول له: أحجم،
اتركها لأولادك، الظروف لا تسمح الآن بالإنفاق، الآن لا بد أن نوفر،
فالمجاهدة أن يحمل نفسه على الإنفاق، ويرغمها على الإنفاق، ويعطي بسخاء،
فيزول هذا الشح من نفسه ويحل محله الكرم والسخاء والجود، إذا هو أدمن هذه
العادة وهي الإنفاق في سبيل الله ومقاومة النفس، فمجاهدة ومقاومة النفس هي
الأساس، والله وعد خيراً فقال
: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]
وكثير من الشباب والناس عموماً يحاولون ويجاهدون أنفسهم، فشخص يقول لك:
أنا إنسان حمقي سريع الانفعال، شديد الغضب، وأحاول في نفسي وأجاهد نفسي،
لكنني أفشل أحياناً، فهذا الفشل شيء مفهوم؛ لأن هذه الجبلة التي عندك لا
يمكن أن تغيرها بين عشية وضحاها، فهي ستنجح أحياناً وسوف تفشل أحياناً، هذا
أمر مفهوم واضح. ولذلك فإن اليأس بسبب الفشل في بعض الأحيان لعملية
المجاهدة شيء مذموم يحتاج إلى تغيير، ولا بد أن يكون الأمل في نفوسنا ونحن
نحاول أن نغير أخلاقنا.
الأخذ بالأسباب الشرعية:
ثالثاً: الأخذ
بالأسباب الشرعية لإزالة الأخلاق السيئة، وللحمل على الأخلاق الحسنة.
مثال: الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بأشياء عند الغضب؛ لأن الغضب شيء
مذموم، وهناك إرشادات شرعية، في أوامر شرعية: أولاً: أن يسكت، قال: (ومن
غضب فليسكت) إذاً إذا غضبت فلتسكت. ثانياً: يتعوذ بالله من الشيطان، كما
ورد في حديث المستبان، أو حديث المستبين. كذلك ثالثاً: قال: (ومن
كان قائماً فليقعد). ورابعاً: قال: (أمرنا أن نتوضأ). فصار عندك أربعة
إجراءات شرعية عند الغضب، ما هي؟ أولا:ً السكوت، ثانياً: الاستعاذة بالله
من الشيطان، ثالثاً: تغيير الحالة، فإن كنت قائماً فلتقعد، وإذا كنت قاعداً
هل تقوم؟ لا؛ لأن القيام هذا يشجع على الاعتداء وعلى البطش، وإنما تغير من
الحالة إلى الحالة التي هي أدنى منها، ورابعاً: توضأ، لأن الغضب حرارة
شيطانية فيكسره بالوضوء. إذا غضبت فاعمل الأشياء الأربعة وشرط وعهد أنك
تتخلص من الغضب في ذلك الموقف أبداً. ولذلك فمن رحمة الله أن الشريعة جاءت
رحمة للعباد ومصلحتنا في اتباع الشريعة، فإذا غضبت فاسكت، واستعذ من
الشيطان، هذه إجراءات نبوية وإرشادات ينبغي الأخذ بها.
التدرج:
رابعاً: من
وسائل تغيير الأخلاق واستبدالها بأخلاق حسنة: التدرج. فالناس يختلفون في
مدى استعدادهم للتغيير، الناس عندهم استعداد للتغيير، لكن أين لب الموضوع؟
النسبة في التغير، فلان يمكن أن يتغير بسرعة، وفلان يمكن أن يتغير ببطء،
وهذا أمر ملاحظ في التربية، فهناك أناس يرتقون بسرعة وأناس يرتقون ببطءٍ
شديد، والإنسان حتى لا يصاب باليأس لا يقال له: أنت اليوم جبان، غداً نريدك
شجاعاً وإلا فأنت فاشل في تربية نفسك، لا. هذه سجايا، إذا أردت أن تغير
بين عشية وضحاها فأنت تصادم طبيعة النفس، أنت تصادم قضاء الله في الناس،
والله عز وجل من حكمته في خلقه أنه جعل تغيرهم في الأخلاق ليس سريعاً. فإذا
أردت التغيير بين عشية وضحاها فأنت تصادم الأمور الطبيعية وستفشل، وهذا لا
يعني أنه إذا كان عندك استعداد للتغير السريع ألا تتغير، تغير بسرعة، لكن
التدرج في هذه الأمور يختلف الناس فيه سرعة وبطئاً، قال الشاعر:
ومكلف الأشياء فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نار
هل تجد في الماء شعلة نار؟ لا تجد، فعكس طبائع الأشياء، لا يمكن. ولذلك نقول: هذه
الفقرة ترك المثاليات، لأن بعض الناس الذين يريدون تغيير الأشياء السيئة
قد يكون عنده مثالية في النظرة فيفشلون، ولذلك نحن نطمح للشيء المثالي، ولو
لم نصل إليه بسرعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.