التسميات والتصنيفات

الجمعة، 8 فبراير 2013

نبه بالتفكر قلبك

             نبه بالتفكر قلبك
لقد دعا الله عز وجل الإنسان للتفكر في آياته والتدبر في عجائب صنعه وأثنى على الناظرين المتفكرين والباحثين في خفيات الأسرار وحقائق الأمور فقال جلّ ثناؤه (( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك)) وقال رسول الله (ص) " تفكر ساعة خير من عبادة سنة " ، وقال أمير المؤمنين "نبّه بالتفكر قلبك" والتفكر في ذات الله عز وجل محظور وممنوع فقال تعالى ((وإن إلى ربك المنتهى)) (( ويحذركم الله نفسه)) فلا سبيل لمخلوق في التفكر في الذات المقدسة ولا يمكن العلم بجناب الحضرة الإلهية إلا بما وصف نفسه بنفسه فقال (( وما قدروا الله حق قدره )) لذلك كان التفكر المطلوب في عظمة الله وكبريائه وصفاته وآلائه (( سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )) وقد يتفكر الإنسان عمرا طويلا ولكنه لا يعرف
أنه يتفكر فما هو التفكر؟؟
قبل أن نتحدث عن التفكر لا بد ان نعلم أن السير إلى الله على قسمين سير ظاهري بالعبادات وسير باطني وهو ما يتعلق بالمجردات كالعقل والقلب والنفس ،
1- يقول المحقق الطوسي (قده) أن التفكر هو السير الباطني من المبادئ إلى المقاصد ، والمبادئ هي الأفاق والأنفس أما المقاصد فهي الوصول إلى معرفة الخالق المبدع وعلى الإنسان الإرتقاء بالسير من النقصان إلى الكمال للوصول إلى الكمال المطلق.
2- يقول الغزالي إن حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه ، كما إذا تفكر أن الآخرة باقية والدنيا فانية فإنه يحصل له العلم بأن الآخرة خير من الدنيا فيعمل للأخرة ، فالتفكر سبب لهذا العلم وهذا العمل .
فالتفكر طلب من مبادئ معلومة للوصول إلى المراد المجهول والوصول إلى الله مجهول (حتى يتبين لهم أنه الحق) فالأفاق والأنفس ليست سوى معلومات دالة على وجود الله وعظمته ووحدانيته، لذلك يمكن التعبير عن التفكر والسير من المعلوم إلى المجهول بأنه أجنحة طيران النفس إلى منزلها القدسي أو بعبارة أخرى هي مركب الروح للسفر إلى الموطن الأصلي ومن ثم يصل الإنسان إلى الوجود الإلهي المطلق جلّ جلاله. قال الباقر عليه السلام لجابر الجعفي " يا جابر لا معرفة كمعرفتك بنفسك" قيل إن المعرفة بالأيات الأنفسية أنفع من المعرفة بالأيات الأفاقية وإن كانت كلاهما نافعتين حيث يقول أحد العلماء إن النظر في الأيات الأفاقية هو نظر فكري وعلم حصولي بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها فهو نظر شهودي وعلم حضوري ، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في جميع أطوار وجودها وجد امرا عجيبا.
فالنفس كتاب تكويني ولكن كيف نتفكر في كتاب النفس ؟؟
إن الإنسان أمامه طريقان في المعاملة مع النفس إما بالتزكية أو الخسران (( قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها)) ، يفتح الإنسان كتاب نفسه وصحيفة عمله من يوم بلوغه ويبدأ الكتابة فيه ويظل يكتب طوال سنين عمره إلى ان يحين أجله فيطوي كتابه إلى ان ياتي اليوم الذي يقف فيه بين يدي الله فيقال له ((إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)) ولقد كتبنا في كتابنا هذا خطايا وذنوبا ومفاسد شتى علينا أن نقرأه ونتفكر فيه قبل ان نؤمر بقراءته يوم الحساب ، يوم ترفع الموازين فلا سعي ولا عمل بل جزاء وحساب وثواب وعقاب ، فمتى نفرغ لإصلاح كتابنا ومحاسبة انفسنا والتفكر في هذه النفس وكيفية تطويعها لطاعة رب العالمين حتى يتبين لنا أنه الحق؟؟ للوصول إلى هذا المقام لا بد معرفة آفة التفكر لنتجنبها .
آفة التفكر – الوسواس
فالأفكار التي ترد على قلب الإنسان قد تكون محمودة أو مذمومة ، فإن كانت محمودة فهي إلهام وإن كانت مذمومة فهي وسواس ولا يمكن أن يشغل القلب شيئان في آن واحد وعلاج الوسواس التفكر ودوام الذكر ((إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيات لأولى الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار))
مقولة جميلة
يقول الشيخ الأنصاري "إن الذكر فوق الفكر لأن الفكر طلب والذكر وجود"
أيها السالك إلى الله ، إذا تفكرت وابتدأ سير باطنك ونفسك وعقلك وقلبك من المبدأ إلى المنتهى ووصلت إلى غاية أمال العارفين فأي صلة بينك وبين ربك هي أقوى من الصلاة والصوم !! ولكن أي صلاة وصوم؟؟ صلاة العارفين الخاشعين وصوم العارفين المحبين العاشقين!! هذا هو الملاك الحقيقي للعبادات.
أيها السالك إلى الله ، إذا عملت الطاعات مع التفكر والتدبر واعملت فكرك في خالقك وابتغيت إلى الله الوسيلة التي بها أمرك واتيت الله من الباب الذي إليه أرشدك وكان عملك خالصا موقنا يشملك الله تعالى بكراماته وعناياته ويفيض على قلبك من فيضه ونوره .
إلهي!! وهبتنا العقل فلم نتفكر في عظمتك ، ووهبتنا القلب ولم نعرف السبيل إليك فسبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته ونحن مقرون بعجزنا وقصورنا فبك نستدل عليك ومنك نطلب معرفتك والوصول إليك ، فيا دليل المتحيرين خذ بأيدينا وأهدنا سواء السبيل.
منقول من كتاب نفحات الرحمن في منازل العرفان للسيد أبو القاسم الديباجي (دام ظله)
المنزل السادس (التفكر عند المحب )

ر

5 تعليق على “نبه بالفكر قلبك ..”

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أختي الغالية الحبيبة سوسن من يكون هذاالطفل الأمير أعلى مدونتك
    إنه يبدو حاكما لبلد ما
    فما هو ذلك البلد
    أعلم إنه ريان حفيدك حفظه الله
    لقد ازدادت مدونتك جمالا بوجود صورته هنا
    له مني قبلة على رأسه
    أسعدكم الله
  2. عفوا الحبيبة سوسنة وليس سوسن
  3. جعلك الله العظيم من المتفكرين
    والعاملين الصادقين المجتهدين
  4. بارك ربي فيك حبيبتي سوسنة للخير الكبير الذي ملأ مدونتك علما ومعرفة زكية
    تنفع كل من يمر من هنا
    جزاك الله خيرا
  5. أختي الغالية خديجة أميرة عرشي وقلبي
    مذهلة و ربُّ الأكوان مذهلة بـ كل حرف احترفته أناملك في تستطير حروفك وردودك الشيقة التي تذهلني وتجعلني أنظر إليها واستمتع وأنا اقرأ ولا أملها .. مفعمة الكنوز بحار محبرتك يفيض منها وابل من قوافل الأبداع
    جزيت خيرا الجزاء وجعله الله في ميزان حسناتك
    تحياتي لك وباقات للوالدة الحنونة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.